الفرق بين الإشتراكية و الشيوعية
ظهور الإشتراكية
في أواخر القرن الثامن عشر و أوائل القرن التاسع عشر ظهرت مدرسة إقتصادية جديدة تدين بالحرية الإقتصادية، و إعتبرت هذه المدرسة أن المصلحة الشخصية هي الحافز على النشاط الإقتصادي و أن سعي الأفراد جميعاً إلى تحقيق مصالحهم الشخصية يؤدي في نفس الوقت إلى تحقيق الصالح العام ،حيث عارضت هذه المدرسة تدخل الدولة في الشؤون الإقتصادية و نادت بوجوب ترك كل فرد ينتج دون مراقبة أو توجيه و ترك التجارة تنتقل من مكان إلى آخر دون قيود .
و ظل هذا المذهب الإقتصادي يتطور على أيدي عدد من المفكرين الإقتصاديين في النصف الأول من القرن التاسع عشر فإزدهرت الرأسمالية و أحدثت إنقلاباً خطيراً من الناحيتين الإقتصادية و الإجتماعية ، و كان لهذا الإنقلاب آثار إيجابية و أخرى سلبية أكثر خطورة من إيجابيته. فمن الناحية الإقتصادية الإيجابية زادت الثروة و الرخاء بما لم يسبق له مثيل عند الكثير من الناس .. و لكن على الجانب الآخر كان للرأسمالية جانب سلبي حيث أنها تسببت في وقوع أزمات إفراط في الإنتاج و بدلاً من أن تحقق التوازن بين الإنتاج و الإستهلاك أصبح المجتمع يستقبل كل سبع أو عشر سنوات كساداً عاماً في الأسواق و تدهوراً شديداً في الأسعار تعقبه حركة إفلاس و إنتشار البطالة بين العمال .
أما من الناحية الإجتماعية فقد خلقت الرأسمالية طبقتين إجتماعيتين متضادتين ،طبقة أصحاب الأعمال و طبقة العمال . و أحست كل طبقة منهما بتعارض مصالحهما فتجمعوا في طبقات دفاعية فظهرت إتحادات أصحاب الأعمال ، و نقابات العمال . و حل الإنقسام في المجتمع و بدل من التعاون بين أفراد المجتمع و السلام فيما بينهما أصبح المجتمع ينقسم إلى طبقتين متعادتين .
و أصبح صاحب العمل يعمل جاهداً في إستغلال العامل بغير رحمة و لا شفقة فكان يكلفه بالأعمال الشاقة غير مهتم بحداثة العامل و صغر سنه ، و كان يرهقه بالعمل طوال ساعات النهار و جزءاً من الليل دون راحة ، نظير أجر تافه لا يسمن و لا يغني من جوع ، فأصبحت الطبقة العمالية تعيش في مستوى يتنافى مع الكرامة الإنسانية .
* و قد حرك الظلم و البؤس الناشئان عن الرأسمالية أقلام المفكرين و المصلحين الإجتماعيين ، فكان مولد المذاهب الإشتراكية .
و المذهب الإشتراكي على، عكس المذهب الرأسمالي، ينظر إلى المجتمع بأسره فعمل على إعلاء المجتمع على الفرد و تخضع المصالح الذاتية لدواعي الحاجات الإجتماعية . و نادت الإشتراكية بتحقيق المساواة بين الأفراد و إلغاء الفوارق بين الطبقات في الإنتاج و العلم و العمل لصالح المجموع . كما نادت الإشتراكية بالقضاء على الرأسمالية و إلغاء الملكية الفردية لأموال الإنتاج و تحويلها إلى ملكية إشتراكية أو جماعية حتى لا يستغل أصحاب الأعمال جهود العمال .
الفوارق بين الإشتراكية و الشيوعية :
ربما عندما نقول أن الإشتراكية تعني ملكية الجماعة لأموال الإنتاج و تحقيق المساواة بين طبقات المجتمع و العدالة في التوزيع ، أن يتبادر إلى الأذهان أن الإشتراكية تعني تحقيق الشيوعية. و لكن الحق أن الشيوعية تعتبر إشتراكية و لكن في صورة متطرفة ، حيث لا خلاف بين هذين المذهبين من حيث الطبيعة و لكن الخلاف بينهما يكمن في التفصيلات و الدرجة
و فيما يلي أهم هذه الفوارق :
1) إلغاء الملكية الخاصة :
- فاللإشتراكية تنادي بإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج و لكنها أيضاً تبيح للأفراد التمتع بدخلهم الناتج من عملهم في الحصول على ما يريدون من السلع الإستهلاكية .
- بينما الشيوعية تنادي بإلغاء الملكية الفردية على جميع أنواعها ، فالفرد في الشيوعية لا يحق له أن يتملك وسائل الإنتاج أو أموال الإستهلاك ، فكل الأموال يجب أن تكون شيوعاً للجميع .
2) توزيع الدخل القومي :
- تكافيء الإشتراكية كل فرد على حسب عمله على أن تراعي الظروف الشخصية لكل منهم. فيتميز عند التساوي في العمل ، من حيث الأجر ، المتزوج عن الأعزب و من له أولاد عمن ليس له ولد .
- أما الشيوعية فترى أن يكون التوزيع على كل فرد بقدر حاجته أي أن يبذل كل فرد أقصى جهده في العمل المحدد له و لكنه لا يحصل إلا على قدر حاجته .
3) النظام النقدي :
- تعترف الإشتراكية بالنظام النقدي و يتم توزيع الدخل القومي على الأفراد في صورة مرتبات و أجور نقدية يستخدمها الأفراد في شراء ما يحتاجون إليه من السلع .
- بينما الشيوعية لا ترى محلاً لوجود النقود كأداة للمبادلة حيث أن التوزيع يتم عيناً ، إذ يحصل كل فرد على ما يحتاجه من المخازن العامة بموجب بطاقات .
4) الدولة :
- تنظر الإشتراكية إلى الدولة كهيئة دائمة ، و تعتبرها ممثلة المجتمع في إدارة العجلة الإقتصادية .
- أما الشيوعيون فيرون أن تطبيق مبادئهم سيؤدي إلى زوال الدولة إذ لن يعود هناك ضرورة لوجودها ، و سوف يتعاون الأفراد فيما بينهم للقيام بعمليتي الإنتاج و التوزيع .
5) الوسيلة لتحقيق الأهداف :
- تعتبر الإشتراكية إنقلاباً دستورياً يبقي على الديمقراطية .
- في حين أن الشيوعية ثورية عنيفة تعمل على القضاء على خصومها بكافة الوسائل ، فوسيلة الشيوعية هي العمل المباشر للقضاء على الرأسمالية و إقامة الديكتاتورية العمالية في حين أن الإشتراكية تعمل على تنفيذ مبادئها عن طريق إستخدام القواعد الديمقراطية .
و بهذا ينتهي المقال ، نشكرك على القراءة و نتمنى أنك قد إستفدت ولو بجزء صغير من هذا المقال و لكن يجب أن أوضح أن :
أولاً :
هذا المقال من باب إثراء المعرفة ليس إلا و ذلك لأنني ، كمؤسس لمذهب إقتصادي يجمع ما بين الرأسمالية و الإشتراكية ، أنبذ المذهب الشيوعي و الإشتراكي و أرى بضرورة وجود المنافسة و التي تحقق أعلى إستفادة للمجتمع و أدعو لإشتراك الحكومة مع الأفراد في إعلاء المصلحة الشخصية للأفراد بجانب مصلحة المجموع و ذلك بدخول الفرد مع الحكومة في المشروعات التي يحتاجها المجتمع و ذلك بالكيفية التي تحقق الصالح العام و المصلحة الشخصية و في ذلك تفاصيل كثيرة لا يسعني توضيحها في المقال الحالي و إن أتيحت الفرصة فسأدخل في أعماق هذا المذهب و الذي أطلقت عليه " الإشتراكية الديمقراطية المطورة " .
ثانياً :
من أجل الأمانة العلمية فإن المرجع الذي إعتمدت عليه في كتابة هذا المقال هو كتاب أصول الإقتصاد - للدكتور محمد حلمي مراد - الجزء الأول - طبعة 1956م